د.بسام التلهوني وزير العدل
اذا قدّر لوزير العدل الحالي ان يستكمل ما بدأه وقطع به ثلاثة أرباع الطريق باتجاه تحديث وتحصي ما يتصل بالسلطة القضائية وبوزارة العدل (كجزء من السلطة التنفيذية)، فسيقال لاحقا ان الاستقلال الحقيقي للسلطة الدستورية الثالثة (القضاء) حصل بعد ستة عقود من الدستور، وتحديدا في وزارة د. بسام التلهوني.
في الدستور ورغم كل التعديلات التي طالته خلال العقود الماضية، ظل النص واضحا على فصل السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية) لكن مفهوم استقلال القضاء ظل مجروحا بغياب النص القطعي، حيث لوزير العدل صلاحيات تعيين القضاة – على سبيل المثال – وبالتالي له عليهم ميانة اجرائية. كذلك بقيت وتراكمت ملاحظات سلبية عديدة على اجراءات التقاضي وضماناته، وهو الأمر الذي استدعى « انتفاضة» اصلاحية لا يقلل من اهميتها انها جاءت أيضا تحت الحاح الأطراف الدولية المانحة للأردن وهي تسعى للحصول على ضمانات بان رزم الإصلاح والاستدامة جرى تنفيذها. الدكتور التلهوني وقد عايش هذه الاستحقاقات الإصلاحية خلال فترات خدمته السابقة في القطاعين، يدرك تماما أهمية وجود ضمانات لسيادة وهيبة القانون ثم هيبة الدولة كما يراد للمواطن ان يعيشها ويثق بها في مختلف مواقعه.
في وقت سابق من العام الحالي جرى فصل قانوني بين وزارة العدل والجسم القضائي حيث لم يعد هنالك تنسيب من وزارة العدل بأسماء القضاة. كذلك هناك مشروع لتعديل قانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية سعيا لتعزيز ثقة المواطن في هذا النظام الجزائي وطمأنته بأن هناك نصوصا تشريعية تضمن محاكمة عادلة. وضمن رزمة التحديث الإصلاحي التي يتولاها د. التلهوني يجري ادخال مفهوم جديد سمي بالعقوبات البديلة أو العقوبات المجتمعية، وهو مفهوم يرمي لأن لا تكون العقوبة سالبة للحرية في بعض أنواع الجرائم البسيطة التي تزخر بها السجون وأماكن التوقيف باعباء ايوائهم. كذلك تأتي الاصلاحات شاملة لتوصيف أفعال جرمية جديدة مثل التحرش والبلطجة وشغب الملاعب والعنف الجامعي والاعتداء على المياه.
أبو سمير من مواليد أواسط الستينيات، تأسس ثقافيا على مودّة الخطابة واللغة العربية الفصيحة حتى قبل ان يحترف المحاماة. خبرته في القطاعين منحته دراية عميقة في مراقبة مفردات الفساد وطرق مواجهتها.. ولذلك يكثر في الوزارة من الزيارات الميدانية المفاجئة التي يترتب عليها تشخيص عياني لمشاكل البيروقراطية أو فسادها. لكنه اثناء رئاسته لمديرية مراقبة الشركات ومحاولاته تفعيل صلاحيات المراقبة على مجتمع الأعمال، اضطر للاستقالة وما يزال يصرّ على الاحتفاظ بسرية أسباب الاستقالة .. واصفا اياها انها شخصية.
التعديلات المقترحة ضمن قانون العقوبات تندرج في النهاية تحت رزمة الاصلاح، ومع ذلك فان بعضها أثار توجسا مثل تجريم الاضرابات التي توصف الآن بانها تعطيل للمرافق والمصالح الحيوية عن قصد أو عمد. كيف توفقون بين الحقوق الدستورية في التعبير عن الرأي وبين الاتجاه لتجريم الاضراب الذي يعتبر لدى الكثيرين محليا وخارجيا كنوع من حرية الرأي؟
الحقوق الدستورية مصونة لكل مواطن كما أسلفت سابقا في هذا اللقاء، ولا تعارض بين وجود نصوص قانونية تجرّم تعطيل مصالح الدولة ومرافقها العامة وتأثير ذلك على المجتمع بشكل عام, وما بين الحريات العامة. أقول يجب أن نفصل بين الحقوق الدستورية للشخص والمواطن والأفراد، وما بين وجود نصوص قانونية تجرّم من يعطل عمدا وقصدا ويخرب عمدا المرافق الحيوية التي يستفيد منها الأفراد داخل المجتمع. يجب التفريق بين الأمرين.
اقترحنا أن يكون المعاقب عليه في مشروع قانون العقوبات هو فقط من يتقصد الإضرار بمصالح الدولة وبالمرافق العامة ويؤثر على مصالح الأفراد داخل المجتمع، باقي ما تبقى من حقوق, مصونة في نص الدستور ولن يتم المساس بها.
التعديلات المقترحة تشمل أيضا تجريم أفعال من نوع ما يسمى بـ شغب الملاعب والعنف الجامعي والاعتداء على المياه ما الذي استجد من رؤية وتغليظ للعقوبات ؟
كلنا نعلم ان المياه عنصر أساسي عند المواطن. بالتأكيد عندما نرى أن هناك اعتداء على المياه وعلى مصادرها لا بد أن يعاد النظر في العقوبة، سواء أكانت العقوبة المباشرة أو غير المباشرة من نوع الإجراءات الاحترازية والمصادرة وغيرها. لا بد من إعادة النظر. وكما ذكرت في البداية فانه إذا كانت هناك أفعال معينة فيجب أن تراجع ونرى هل العقوبة الموجودة الآن تتناسب مع الفعل أم لا تتناسب معه. لقد وجدنا أن المياه أصبحت عنصرا استراتيجيا للمواطن. أهميتها الآن زادت لأنه أصبح هناك شح للمياه، والشخص الذي سيعتدي على المياه يجب أن نشدد العقوبة عليه.
موضوع التحرش، يبدو انه لا يوجد له في القانون الحالي تعريف جنائي محدد وانه يتقاطع مع قانون الحياء العام. ما هو بتقديركم الحجم الحقيقي لظاهرة التحرش؟ وهل صحيح انها اصبحت تأخذ لدينا طابع التحرش الجماهيري وليس الفردي فقط ؟ جمعيات المجتمع المدني تطالب بتغليظ العقوبة وتحديد مفهوم التحرش والتنويع في العقوبات الجنائية والمجتمعية كالتعزير والتشهير
التحرش لم يكن له ملامح واضحة في قانون العقوبات، وباعتقادي أن العقوبة الموجودة الآن ضمن أحكام القانون الساري المفعول غير كافية، لذلك نحن قدمنا مشروعا معدلا لقانون العقوبات توضحت فيه هذه الجريمة بشكل أفضل، وغلظت عليها العقوبة.
وما اريد ان اوضحه ان التحرش عندنا ليست ظاهرة اجتماعية, بحمد الله مجتمعنا محافظ والناس تحترم بعضها البعض فيه، وأيضا النزعة الدينية موجودة وهي الأساس. الآن التحرش في بعض الأفعال الفردية الموجودة في مجتمعنا وفي أي مجتمع، حتى في المجتمعات الراقية والمتطورة والكبيرة نرى دائما هذه الظاهرة موجودة، لكن مثلما أشرت أننا وضعناها مغلظة ولا بد أن تكون هذه العقوبة واضحة في مشروع القانون المعدل.
لدينا في الأردن معضلة اسمها طول أمد التقاضي حيث بعض القضايا تستغرق سنوات. هذه القضية تؤرق الناس العاديين وتنفر المستثمرين الذين لا يضمنون سرعة البت في القضايا الخلافية؟
موضوع التقاضي موضوع هام وله أثر كبير وواضح على موضوع جذب الاستثمارات. أي مواطن وأي تاجر وأي شخص يهمه أن يحصل على حقه بالوقت المناسب، لأننا نعلم بان تأخير العدالة إنكار لها، لكن السرعة أو تسريع الإجراءات يجب أن لا تؤثر على ما يسمى بالعدالة الناجزة، أي انك تأخذ حقك بالكامل.
المشكلة اذن ليست في كفاية أعداد القضاة؟
نعم.. العدد كاف حسب النسب العالمية للقضاة. على أن نأخذ بعين الاعتبار أن عدد السكان يزيد وعدد القضايا يزيد, لذلك قلنا بانه يجب التفكير جديا بوسائل بديلة وحلول بديلة عن إحالة النزاعات في القضايا، من تلك الحلول على سبيل المثال: الوساطة القضائية والخاصة والتحكيم وحل المنازعات الصغيرة بواسطة لجان قضائية، فليس بالضرورة أن تذهب كل القضايا إلى المحاكم للنزاعات، هذا من ضمن خطتنا الاستراتيجية، والآن نعدل في قانون أصول المحاكمات المدنية حتى نصل إلى هذا الأمر.
للشكاوي صلة بعملية التبليغ بالالصاق ونوعية المحضرين وما يتردد احيانا من شبهات حول جدية تنفيذ التبليغ والاحضار:
أرى أنه لا بد من تحسين آلية التبليغ. بالتأكيد كانت لنا ملاحظات على مسألة التبليغ، لذلك أصبح هناك تعديل على قانون الأحوال المدنية بأن ألزم كل مواطن أردني أن يضع عنوانه لدى دائرة الأحوال المدنية حتى يكون هناك تبليغ على هذه العناوين، الآن سيتم حل مشكلة العناوين بعد أن ثبتنا العناوين في دائرة الأحوال المدنية، وهذا الكلام سيتضمن أيضا أن نفكر بآليات جديدة لعملية التبليغ. ممكن أن يكون لدينا شركات تقوم بالتبليغ بشكل أفضل، لدينا شركات لكن يمكن أن نوسع من دورها في مسألة التبليغ.. هذه وجهة نظري.
بالمناسبة فان حديث جلالة الملك في العقبة وفي دار الرئاسة عن ضرورة تحديث ادوات جذب الاستثمار واصلاح البيئة الاستثمارية هو حديث يمس وزارة العدل ايضا في جانب قوانين التقاضي وعقبة التقادم الزمني للقضايا التجارية والتحكيم والمصالحة وغير ذلك مما له علاقة بالمستثمرين:
نحن مدركون لهذا الدور كوزارة عدل، لذلك فاننا نعمل وبشكل مستمر ضمن توجيهات جلالته في عمل كل ما يمكن لتحسين بيئة الاستثمار، وقد بدأنا كوزارة منذ عام 2013 بإعداد خطة مستقبلية، والآن نسير بهذه الخطة التي تمس التشريعات التي تؤثر على موضوع الاستثمار بشكل مباشر.
أشرت سابقا إلى قانون أصول المحاكمات المدنية وإلى قانون التنفيذ، هذان القانونان جرت مراجعتهما، وسيكون لذلك مردود كبير في الاستثمار من حيث البيئة التشريعية.
أيضا الإجراءات داخل المحاكم لها صلة, وكثير من اجراءاتنا العملية الورقية تحول إلى إجراءات إلكترونية، مما سيسهل على الناس فيما يتعلق بموضوع الاستثمار. أما بالنسبة لقانون التحكيم فقد أعدنا النظر به حتى يكون قانونا جاذبا للبيئة الاستثمارية داخل الأردن.
هل لكم دور في موضوع قضية أسهم بنك الاسكان في محفظة الضمان الاجتماعي والنظر التحكيمي فيها خارج البلاد؟
ليس بشكل مباشر كوزارة عدل، ولكننا مهتمون بمتابعتها كحكومة.
حجم التحديات والأعباء التي استجدت على قطاع العدالة نتيجة استضافة اللاجئين السوريين بما في ذلك ازدياد الضغط على المحاكم وارتفاع اعداد القضايا؟
صحيح، هناك ضغط خصوصا على المحاكم في المجتمعات المستضيفة للأخوة السوريين حيث يقطنون، وتحديدا في الرمثا، اربد، والمفرق وأيضا عمان. لا بد من التاكيد على أن هذا سبب ضغطا على المحاكم وعلى البنية التحتية و أيضاعلى السادة القضاة الموجودين في تلك المحاكم.
عشت خصوصيات مراحل حياتك باستحقاق؟
بالتأكيد، كل عمر له خصوصيته وله جماله. من الخطأ أن لا يعيش الإنسان المراحل العمرية ويعطيها حقها. باعتقادي أنني عشت كباقي الشباب مرحلة المراهقة، وفترة الشباب وكان لدينا زميلات تعرفنا عليهن خلال فترة الجامعة ولكل منهن موضع احترام وتقدير واستطيع القول انني عشت حياتي واستمتعت.
تذهب كثيرا لمسقط رأسك؟
أعتذر لأنني مقل في الذهاب إلى معان في الوقت الحاضر وذلك بسبب ظروف العمل، ولكنني بالمقابل أتواصل مع العديد العديد من الأهل والأصدقاء، كما ان باب مكتبي دائما مفتوح مرحبا بهم وبالجميع.
هل فكرت بخوض الانتخابات النيابية مرشحاعن معان؟
لا أفكر في خوض الانتخابات النيابية أبدا. والسبب أنني أرى في نفسي أنني ممكن أن أخدم الناس والوطن خارج إطار النيابة أكثر من وأنا في داخل النيابة مع قناعاتي بأهمية العمل النيابي لسير العملية الديمقراطية في وطننا العزيز.
كإبن معان أيضا لماذا السور العالي حول كل منزل؟
المسألة تكمن في طريقة البناء والعمران، وهي دون شك احدى خصوصيات شعبنا في معان وهي ميزة أيضا.. فالسور العالي وجد حتى يأخذ أفراد الأسرة راحتهم داخل بيوتهم، لأن أغلب فناء تلك المنازل مكشوفة ويجدون بارتفاع السور متنفساً لهم في أيام وليالي الصيف الحارة، وحسب ما أذكر ان بيت جدي وأعمامي وعماتي كانوا يقضون اكثر وقتهم في فناء المنزل ذات السور العالي ويجدون في ذلك متعة واستمتاعاً تشعرهم بحرية جلساتهم